خطبة بعنوان: “سلوك المؤمن في رمضان” لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح بتاريخ 5 من رمضان 10 يونيو 2016هـ
خطبة بعنوان: “سلوك المؤمن في رمضان” لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح بتاريخ 5 من رمضان 10 يونيو 2016هـ.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله رب العالمين , يارب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه .. حمداً دائماً يليق بجلاله وكماله وعظيم سلطانه .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه ولي الصالحين . أجزل الخير للطائعين الصائمين فقال في حديثه القدسي :” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَرَأَ :” فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”( البخاري ومسلم(.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه .. طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها محمد صلي الله عليه وسلم القائل:”مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ” (متفق عليه).
اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلي آلك وصحبك الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً ..أما بعد فيا جماعة الإسلام .
إن من نعم الله عز وجل على عباده أن جعل لهم مواسم للخيرات والبركات ، ومَنَّ عليهم فيها بالنفحات والمزيد من الحسنات ، فيعملون قليلاً ويؤجرون كثيرًا ، وينفقون زهيدًا ويجزون مزيدًا ، “ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ” [الحديد:21],ويقول رسول الله صلي الله عليه وسلم :” إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً”(الترمذي).
ومن هذه المواسم العظيمة وتلك النفحات الجليلة ما نحن فيه الآن من أيام مباركة وليال فاضلة ، وهو شهر رمضان المبارك ، شهر جعل الله صيام نهاره فريضة ، وقيام ليله سنة ، قال سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” [البقرة:183-185].
ولقد حرص الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تهيئة أصحابه لاستقبال هذا الشهر الكريم ، واغتنام أيامه ولياليه بالمسارعة إلى الخيرات ، وطلب المغفرة والرحمات من رب الأرض والسموات ، فعَنِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ (رضي الله عنه) قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ، فَقَالَ: ” أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا ، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ ، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ … الحديث” (صحيحُ ابن خُزَيمة).
إن لشهر رمضان فضائل عظيمة ومكانة كبيرة ، ينبغي أن نعيها وأن نعيش في كنفها ، فهو شهر القرآن والصيام والذكر والقيام ، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” [البقرة: 185] .
ألا فلنستقبل هذا الشهر الكريم بقلوب عامرة ونفوس طاهرة ، وتوبة صادقة خالصة ، فضاعفوا فيه الطاعات ، وحافظوا على حرماته ، وتزودوا فيه لآخرتكم ، حتى يشملكم الله برعايته وعنايته ورحمته ومغفرته ، فعَنْ أَبِي نَضْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ (رضي الله عنهما) يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ” أُعْطِيَتْ أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي، أَمَّا وَاحِدَةٌ : فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ نَظَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ ، وَمَنْ نَظَرَ اللهُ إِلَيْهِ لَمْ يُعَذِّبْهُ أَبَدًا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ : فَإِنَّ خُلُوفَ أَفْوَاهِهِمْ حِينَ يُمْسُونَ أُطَيِّبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ : فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ : فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ جَنَّتَهُ فَيَقُولُ لَهَا : اسْتَعِدِّي وَتَزَيَّنِي لِعِبَادِي أَوْشَكَ أَنْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا إِلَى دَارِي وَكَرَامَتِي ، وَأَمَّا الْخَامِسَةُ : فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ آخِرُ لَيْلَةٍ غَفَرَ لَهُمْ جَمِيعًا ” فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ فَقَالَ: ” لَا ، أَلَمْ تَرَ إِلَى الْعُمَّالِ يَعْمَلُونَ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ وُفُّوا أُجُورَهُمْ ” (شعب الإيمان).
فعلينا أن نغتنم هذه الفرصة ، حتى لا نكون ممن ذكرهم المصطفى (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذي رواه أَبِو هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ:”آمِينَ آمِينَ آمِينَ” قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ”(صحيح ابن حبان).
أيها الصائمون :
إن شهر رمضان مدرسة تتربى فيها الأمة الإسلامية ، تتعلم منها الصبر وتقوية الإرادة ،والسلوك القويم فيجد المسلمون في نهاره ثمرة الصبر والانتصار على الشهوات ، ويجدون في ليله لذة المناجاة والوقوف بين يدي ربهم ، وتتجسد فيه ملامح التلاحم بين المسلمين عامتهم وخاصتهم ، علمائهم وعامّتهم كبيرهم وصغيرهم ، ليكون الجميع يدًا واحدةً ، وبناءً متكاملاً ، لدفع تيارات الفتن ، وأمواج المحن .
وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم دائماً يبشر أصحابه بقدوم رمضان ويحببهم في الطاعة والعبادة وفي تقويم السلوك في هذا الشهر فعن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) أنه كان الحبيب (صلى الله عليه وسلم) إذا أقبل شهر رمضان يقول:” أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ ، فِيهِ خَيْرٌ يَغْشَاكُمُ اللَّهُ فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَيَحُطُّ فِيهَا الْخَطَايَا ، وَيُسْتَحَبُّ فِيهَا الدَّعْوَةُ ، يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ وَيُبَاهِيكُمْ بِمَلاَئِكَةٍ ، فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسَكُمْ خَيْرًا ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ ” (الطبراني في المعجم الكبير).
أيها الصائمون :
فليحرص كل مؤمن في رمضان كله أن يقوم سلوكه وأن يغير من أفعاله وأقواله بل وفي كل حياتنا وأوقاتنا نحرص علي ذلك ..
فالحرص كل الحرص على أن نؤدي الصلاة في جماعة في بيوت الله عز وجل ، ولا يكن حالنا كحال المنافقين الذين وصفهم الله تعالى بقوله : “إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا” [النساء: 142] .
وقد قرن رسول الله صلي الله عليه وسلم عند مغفرة الذنوب الصلاة بهذا الشهر الكريم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أن رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كان يقول: ” الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ “( مسلم) .
أخي الصائم :
رمضان مدرسة يتعلم فيها المؤمنون كيف يقومون سلوكهم .. فهو شهر تتطلع إليه قلوب المؤمنين ، وتتشوف لبلوغه أفئدة المتقين ، نهارُهُ مصونٌ بالصيام ، وليلُهُ معمورٌ بالقيام ، تهبُّ فيه رياحُ الأنس بالله ، وتجود الأنفسُ بما عندها نحو الله عز وجل ، إنه منحة ربانية لهذه الأمة ، فهو شهرٌ عظَّمه اللهُ وكرَّمه ، وأَعْظمَ الثواب فيه لصُوَّامه وقوَّامه ، وهو بمثابة سوق يُتيحُه الله عز وجعل لعباده كل عام مرة ليتاجروا فيه مع ربهم التجارة الرابحة .
والمسلم الحق هو الذي يعرف لهذا الشهر حقه فلايجعل يوم فطره كيوم صومه سواء بل لابد له من محاسبة نفسه وتقويم سلوكه حتي لايخرج من هذا الشهر خالي الوفاض بلي حسنات كما قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ” رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ، وَالْعَطَشُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ” (المعجم الكبير للطبراني).
أخوة الإيمان والإسلام
ومن سلوك المؤمن في رمضان
حفظ اللسان
يجب على الصائم أن يحفظ صومه من اللغو وقول الزور وفعل الزور ومن جميع المعاصي والسيئات التي تنقص ثواب الصوم فإن الصوم الشرعي يقتضي الإمساك عن جميع المحرمات الحسية والمعنوية. لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه). رواه البخاري. وقال جابر رضي الله عنه: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء). فينبغي للمؤمن أن يكون حريصا عن كل ما يخدش صومه ويذهب ثمرته. والمؤسف أنك ترى بعض الناس حاله في الصوم لا يختلف عن حاله في فطره من غيبة ونميمة وكذب وسماع أغاني ونظر للمحرمات عياذا بالله.
ومن الآداب العظيمة ترك المراء والسباب والغضب والمشاتمة أثناء الصوم فالمشروع للمسلم إذا صام أن يكون حليما مالكا لنفسه مسيطرا على مشاعره متحفظا من لسانه لا يستثار ولا يغضب لأتفه سبب ولا يخرج عن طوره في المضايقات والخصومات والمشاحة على منافع الدنيا ومصالحها.لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم”( متفق عليه). وبعض الناس تجده يغضب ويسب ويشتم وتضيق أخلاقه وقت صومه ولا يحتمل أحدا عند إشارات المرور والمواقف ومراكز التسوق والعمل إذا حصلت مشاحة أو اختلاف.
أخوة الإيمان والإسلام :
** ومن سلوك المؤمن في رمضان .
الكرم والجود
ولقد كان الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) أجود بالخير من الريح المرسلة في رمضان، وما منع النبي (صلى الله عليه وسلم) سائلاً أبداً، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنه) قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ” (متفق عليه) .
فالمسلم ينفق في سبيل الله ، ولا يبخل ، ولا يخش الفقر و الفاقة ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: ” مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا “.
ولنعلم أن لنا إخواناً فقراء علينا أن نتذكرهم ، فمن ملك الزاد وأطعم فقد فاز بأجر كبير وثواب عظيم ، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ” مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا ” (رواه الترمذي) .
**وسلوك المؤمن في رمضان
أكل الحلال
وليس من الحكمة لعاقل أن يمسك عن الحلال في نهار رمضان امتثالاً لأمر الله ثم يفطر على حرام يضيع به صيامه وقيامه ، فالحق سبحانه وتعالى أمرنا بما أمر به المرسلين بالأكل من الطيبات ، فما دام الأكل حلالاً طيباً فالعمل صالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال، فكيف يكون العمل مقبولاً ؟ فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: “يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِـحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ “[المؤمنون:51] ، وقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ” [البقرة: 172]. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ” ( مسلم). فإذا ما صام الإنسان وأفر على الحرام فلا ثواب لصيامه مصداقاً لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم ) في الحديث: “رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ، وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ”.
**سلوك المؤمن في رمضان
الجد والنشاط والعمل
رمضان شهر القرآن ، رمضان شهر الجود والكرم ، رمضان شهر الصبر ، رمضان شهر الرحمة ، رمضان شهر البر والصلة ، رمضان شهر الدعاء والإجابة ، وهو كذلك في كل ما ذكر ، غير أن هناك جانبًا هامًّا من الجوانب قد يُفهم على غير وجهه الصحيح ، أو لا يكون فيه التطبيق على مستوى الفهم ، حيث يركن بعض الناس إلى الراحة والكسل ، أو التفرغ الكامل طوال الشهر للعبادة على حساب العمل ، أو التقصير في الواجب المهني أو الوظيفي ، أو إرجاء الأعمال إلى ما بعد رمضان ، فيكون التأجيل والتسويف والترحيل ، أو شغل الوقت المخصص للعمل وخدمة الناس بمزيد من الصلاة وقراءة القرآن في ساعات العمل الرسمية ، حتى لو كان ذلك على حساب قضاء حوائج الناس أو تعطيلها ، أو حمل بعض الناس على الحضور إلى المصلحة الواحدة اليوم تلو الآخر تلو الذي يليه .
ونؤكد أن الإسلام قد وازن بين حاجة الروح والجسد دون أن تطغى إحداهما على الأخرى ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ” .
فالعمل قد يكون فرض عين ، وقد يكون فرض كفاية ، وقد يكون مندوبًا أو مستحبًا أو مباحًا ، وهو محمود على كل حال طالما أنه في مجال التنمية والإنتاج ، لا الهدم والتخريب ، يقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) في الحث على العمل : ” من أمسى كالاًّ من عمل يده أمسى مغفورًا له ” ، ويقول ( صلى الله عليه وسلم ) : ” مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ. ” ، ونبي الله داود (عليه السلام ) كما أخبر عنه نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصوم يومًا ويفطر يومًا ، ولم يمنعه صيامه من العمل ، بل العمل الشاق في صناعة الحديد ، حيث يقول الحق سبحانه: ” وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ” .
وإذا كان من أخص صفات الصائم المراقبة لله عز وجل فإن ذلك يقتضي مراقبة الله عز وجل في الوفاء بحق العمل ، فالذي يراقب صلاتك وصيامك وإمساكك عن الطعام والشراب هو هو من يراقب وفاءك بحق العمل أو تفلتك منه وتقصيرك في حقه .
وإذا كان من أهم ما يجب أن يحرص عليه الصائم أكل الحلال واستجابة الدعاء ، فعليه أن يدرك أنه إذا أخذ الأجر ولم يؤد حق العمل فإنه إنما يأكل سحتا وحرامًا ، لأنه يكون قد أخذ أجرًا بلا عمل ، أو أخل بالعقد والعهد والشروط التي يتطلبها العمل ، سواء أكان ذلك عملاً حكوميًا أم خاصًا ، على أن حرمة المال العام أشد ، لأنه حق لأفراد الشعب جميعًا ، وهم سيختصمون من يفتأت على حقهم أمام الله عز وجل يوم القيامة .
وإذا كان رب العزة لا يقبل صدقة من غلول فإن أهل العلم بل إن أي عاقل يدرك أنه إذا أتعب نفسه بالجوع والعطش ثم أفطر على الحرام الخبيث فما انتفع بصلاة ولا صيام ولا دعاء ولا حج ، لأن نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ” كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ” .
وقد تجد من يقول لك : ها نحن مقبلون على رمضان فاجعل هذا الأمر أو ذاك إلى ما بعد العيد ، وبعضهم قد يصدمك بقوله : وهل هذا وقته ، إذا عرضت عليه أمرًا يتطلب جهدًا كبيرًا أو تركيز اً في العمل ، وكان الصيام الذي ينبغي أن يدفع إلى مزيد من النشاط والعمل صار يدفع البعض إلى الخلود إلى الراحة والكسل .
رمضان شهر العزيمة وشهر الإرادة ، وينبغي لتلك العزيمة القوية والإرادة الفولاذية التي تقهر الجوع والعطش ، بل تقهر سائر الشهوات والموبقات والخصال الذميمة أن تقهر البطالة والكسل ، كما ينبغي أن تقهر العادات السيئة ، وبخاصة لدى المدخنين أو المتعاطين أو المدمنين ، فهذه فرصتهم للإقلاع عن هذه العادات السيئة والأوبئة والسموم المدمرة القاتلة .
الخطبة الثانية “
الحمد لله رب العالمين – والصلاة والسلام علي أشرف الخلق أجمعين .
أيها الناس ، اتقوا الله تعالى فتقوى الله هي الثمرة المرجوة من الصيام حيث تحث آيات الصوم في أولها :” لعلكم تتقون” وفي أخرها “ولعلهم يتقون” .
والتقوي وقاية من الشر والعذاب ، وسبب موصل للخير والثواب .
عباد الله : قد بين الله لكم مراتب الخير وثوابه ، وحضكم على ذلك وسهل لكم طرقه وأسبابه ، فقال تعالى: ” وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ” وإلى قوله:” فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ” . فوصف المتقين بالقيام بحقوقه وحقوق عباده وبالتوبة والاستغفار ، ونفى عنهم الإقامة على الذنوب والإصرار ، وقال معاذ بن جبل – رضي الله عنه- ” يا رسول الله : أخبرني بعمل يدخلني الجنة وينجيني من النار . قال صلى الله عليه وسلم : ” لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان وتحج البيت ” ، أي فمن قام بهذه الشرائع الخمس حق القيام استحق النجاة من النار ودخول دار السلام ، ثم لما رآه شديد الرغبة في الخير وضح له وللأمة الأسباب التي توصل إلى خيري الدنيا والآخرة ، والأبواب التي تفضي إلى النعم الباطنة والظاهرة- فقال:”ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة”أي : وقاية في الدنيا من الذنوب ، ووقاية في الآخرة من جميع الكروب ، “والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف الليل ” ثم تلا قوله تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } – حتى بلغ-“يَعْمَلُونَ ” ثم قال: “ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر : الإسلام وعموده : الصلاة وذروة سنامه : الجهاد في سبيل الله ” ثم قال : “ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ ” قلت بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسان نفسه وقال: ” كف عليك هذا ” قلت يا رسول الله : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال: “ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على مناخيرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟! ” فمن ملك لسانه فأشغله بما يقربه إلى الله من علم وقراءة وذكر ودعاء واستغفار ، وحبسه عن الكلام المحرم من غيبة ونميمة وكذب وشتم وكل ما يسخط الجبار- فقد ملك أمره كله واستقام على الصراط المستقيم . ومن أطلق لسانه فيما يضره استحق العذاب الأليم . فانظروا رحمكم الله ما أسهل هذه الشرائع وأيسرها ، وما أعظم ثوابها عند الله وأكملها . فجاهدوا نفوسكم على تحقيقها وإكمالها ، وسلوا ربكم الإعانة على أقوالها وأفعالها
أيها الناس:
والتقوى هي وسيلة النجاة في الدنيا وفي الآخرة يقول الله تعالى :”وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ” فمن اتقى الله تعالى وامتثل أمر الله واجتنب نهيه نجاه بمفازته ، إذا وقع في هلكة أنجاه الله منها ويسر له الخلاص من ذلك ، فالمتقون هم أهل النجاة ، وشاهد ذلك ما وقع وما يقع للمتقين . ألم يبلغكم ما وقع لسيد المتقين حيث خرج صلى الله عليه وسلم من مكة ومعه صاحبه أبو بكر يخشيان على أنفسهما من قريش فنجاهما الله تعالى من ذلك وقريش على رؤوسهم ، يقول أبو بكر : يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا ، فيقول له رسول الله : « لا تحزن إن الله معنا ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ” فنجى الله تعالى نبيه بمفازته من غير أن يمسه سوء . ألم تسمع ما وقع لنبي الله يونس صلى الله عليه وسلم حيث ذهب عن قومه مغاضبا لهم لما عصوه فركب البحر فثقلت بهم السفينة فاقترع أهلها أيهم يلقى في البحر لتخف السفينة وينجو بعض من فيها ولا يهلكوا كلهم ، فوقعت على قوم فيهم نبي الله يونس فألقوا في البحر فالتقم الحوت يونس” فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ” فاستجاب له رب العالمين فأنجاه من الغم قال الله تعالى : “فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ .لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ “. ألم يأتكم نبأ الثلاثة من بني إسرائيل « باتوا في غار فانحدرت عليهم من الجبل صخرة سدت الغار فلا يستطيعون الخروج فقالوا : إنه لا ينجيكم منها إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم ، فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران فنأى بي طلب الشجر فتأخرت حتى ناما ، فكرهت أن أوقظهما فانتظرت استيقاظهما حتى طلع الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي حتى استيقظ أبواي فشربا غبوقهما ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة قليلا . فقال الثاني : اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها حبا شديدا فأردتها عن نفسها فامتنعت حتى ألجأتها الضرورة سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها مئة وعشرين دينارا على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت ، فلما قعدت بين رجليها قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها ، اللهم إن كنت فعلت ذلك لأجلك فأفرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة قليلا إلا أنهم لا يستطيعون الخروج . فقال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم إلا واحدا ترك أجره وذهب ، فثمرت له أجره حتى نما وكثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال : يا عبد الله أعطني أجري ، فقلت : كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق فهو أجرك ، فقال : يا عبد الله لا تستهزئ بي ، فقلت له : لا أستهزئ بك ، فأخذه كله ولم يترك منه شيئا ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون ” .